Sunday, October 28, 2012

في اللاعنف _مقتبسات من المهاتما غاندي



المهاتما غاندي

لست صاحب رؤيا. وما بوسعي أن أقوله عن نفسي هو أني شخص مثالي عملي. الذين يقصدهم دين اللاعنف ليسوا القديسين أو الريشي بل عامة الناس أيضًا؛ فاللاعنف شريعة جنسنا بينما العنف شريعة البهائم، وشريعة الروح الغافية في قلب العنيف الذي لا يعرف سوى قانون القدرة الجسدية. لكن كرامة الإنسان تتطلب الطاعة لقانون أسمى هو قوة الروح. لذلك أنا أعتقد أن الريشي الذين، من قلب العنف، اكتشفوا اللاعنف كانوا أكثر نبوغًا من نيوتن. لقد كانوا يعرفون كيف يستعملون السلاح، وخبروا عدم جدواه، وعلَّموا عالمًا يطمح إلى السلام أن طريق خلاصه ليس العنف بل اللاعنف.


تعلمت درس اللاعنف من زوجتي، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتي. إلا أن مقاومها الحازمة لرغبتي من جهة، وخضوعها الهادىء للألم الذي تسبب به غبائي من جهة أخرى، جعلني أخجل جدًا من نفسي، وشفاني من غباء الاعتقاد بأني خلقت لأحكمها. وفي نهاية الأمر أصبحت هي معلمتي في اللاعنف.

اللاعنف هو شريعة الجنس البشري. وهو أكبر وأسمى بما لا يقاس من شريعة القوة الغاشمة. وفي نهاية المطاف، هو لا يليق بأولئك الذين لا يملكون إيمانًا حيًا بألوهية المحبة.

يؤمِّن اللاعنف حماية كاملة لاحترام المرء ذاتَه، ويعطيه شعورًا بالكرامة، وإن ليس دائمًا فيما يتعلق بملكية الأرض أو بالملكية المنقولة، لكن التجربة العملية تقول إنَّ اللاعنف يؤمِّن درعًا أفضل لحمايتها مما يؤمِّنه رجال مسلحون. اللاعنف هو الطبيعة الفعلية للأشياء، وإن كان لا يفيد في الدفاع عن المكتسبات غير المشروعة، والأفعال غير الأخلاقية. لذا يجب على الأفراد أو الأمم الذين يطبقون اللاعنف أن يكونوا مستعدين للتضحية بكل شيء (حتى آخر رجل بالنسبة للأمم) ما عدا التضحية بشرفهم.

واللاعنف قوة يمكن أن يستخدمها الأطفال والشباب والنساء والبالغين، شريطة أن يمتلكوا إيمانًا حيًا بألوهة المحبة، وحبًا متساويًا للجنس البشري. لذلك، عندما نقبل باللاعنف كقانون للحياة فمن الواجب أن يشمل هذا القانون الكائن بكليته، لا أن يكون مجرد أفعالاً منعزلة. ومن الخطأ الكبير الاعتقاد بأنَّ القانون يصحُّ على الأفراد، ولا يصحُّ على الجنس البشري ككل.

وحده اللاعنف قانوني. فالعنف ليس بوسعه أن يكون قانونيًا بالمعنى الذي أقصده هنا. أي بتعبير آخر، ليس بوسع العنف أن يكون قانونيًا وفقًا لقانون وضعه الإنسان بل وفق القانون الذي صنعته الطبيعة للإنسان.

***

فعل اللاعنف ليس مساويًا، في الحقيقة، لفعل العنف، بل يفعل فعله بطريقة عكسية. إذ يعتمد الشخص المسلح عادة على سلاحه، أمَّا من يرفض السلاح عن قصد فإنه يستند إلى تلك القوة غير المرئية التي يدعوها الشعراء الألوهة، ويسمِّيها العلماء "القوة المجهولة". لكن كون تلك القوة مجهولة لا يعني أنها غير موجودة؛ فالألوهة هي أساس كل القوى المعروفة منها والمجهولة. واللاعنف الذي لا يستمد قوته من الألوهة فقير ويجب إلقاءه للتراب.

***

الدعوة إلى اللاعنف موجودة لدى كلِّ الديانات، لكني أعتقد باعتزاز أن الهند – ربما – هي التي، من خلال تجربتها، حوَّلت هذه الدعوة إلى علم. لقد ضحَّى عدد لا يحصى من القديسين بحياتهم في التكفير عن خطاياهم (تاباشرايا بالسنسكريتية) حتى أحسَّ الشعراء أن بوسع جبال الهيملايا ببياضها الناصع أن تطهر من خلال تلك التضحيات. لكن كل ممارسة اللاعنف تلك أضحت شبه منسية اليوم، لذا من الضروري إعادة إحياء القانون الأزلي الذي يردُّ على الغضب بالحب، وعلى العنف باللاعنف؛ ففي أرض أفضل من هذه التي هي أرض جاناكا وراماشاندرا، يمكن أن يُطبَّق هذا القانون؟

***

يقول لي بعض أصدقائي المسلمين إنهم لن يقبلوا البتة المفهوم المطلق للاعنف. فبالنسبة لهم، على حدِّ زعمهم، للاعنف نفس مشروعية العنف، واستعمال كليهما يخضع للظروف، ما يعني أن كليهما لا يحتاج إلى فتوى لتبرير مشروعيتهما، وأنَّ هذا درب معروف مرت به الإنسانية على مر العصور. لكني سمعت من العديد من أصدقائي المسلمين أن القرآن يبشر باللاعنف؛ فهو يعتبر الصبر أسمى من الانتقام، وكلمة إسلام بحد ذاتها تعني السلام الذي هو اللاعنف. بادشاه خان، الذي هو مسلم عن قناعة ولم يفرِّط يومًا لا بصلاة ولا بصيام، قَبِل باللاعنف عقيدةً. وليست حجةًً أن نقول إن حياته لم تكن على مستوى ما آمن به، حتى وإني – يا لخجلتي – لم أفعل مثله في حياتي. والحجة التي تقول بأنَّ اللاعنف، بالنسبة للقرآن، هو قضية تأويل، لستُ في حاجةٍ إليها في دعوتي.

(هاريجان، 7-10-1939، ص296)

***

يتجاوز حبي للاعنف حبي لأي شيء آخر دنيوي، أو يتجاوز هذه الدنيا، لأنه يعادل حبي للحقيقة التي هي بالنسبة لي رديفُ اللاعنف الذي بوسعي عن طريقه فقط بلوغ الحقيقة.

***

إذا كان المرء متفاخرًا وأنانيًا، فليس بوسعه ممارسة اللاعنف. فاللاعنف مستحيل من دون تواضع. لقد علمتني تجربتي الذاتية، أني حين كنت أتصرف بشكل لاعنفي، كان منطلقي وسندي دوافع أسمى مستمدَّة من قوة غير مرئية، لأنه لو كان عليَّ الاعتماد فقط على إرادتي الذاتية لفشلت بشكل ذريع. عندما كان علي الذهاب إلى السجن للمرة الأولى كنت أرتجف من هذا الاحتمال؛ فقد سمعت أشياءَ مرعبة عن حياة السجن. لكني كنت أؤمن بالعناية الإلهية. وقد علمتنا تجربتنا أنَّ الذين يذهبون إلى السجن بروح من الورع يخرجون منتصرين، في حين يفشل أولئك الذين يعتمدون على قوتهم الذاتية. ولا مجال هنا للشفقة على الذات، حتى وإن كنت تقول إن الله يعطينا القوة؛ فالإشفاق على الذات يأتي حين تفعل شيئًا تنتظر من أجله اعترافًا من الآخرين. وهنا لا مكان لاعترافٍ كهذا.

(هاريجان، 28-1-1939، ص442)

***

قوة اللاعنف

أقرُّ بأنَّ القوي يسرق الضعيف، وأن من الجريمة أن نكون ضعفاء. لكن هذا ينطبق على روح الإنسان، وليس على جسده، لأنه لو كان المقصود هو الجسد لما كان بوسعنا أبدًا التخلص من خطيئة أن نكون ضعفاء، أمَّا قوة الروح فبوسعها أن تتحدى عالمًا مدججًا بالسلاح بكامله. وهذه القوة متاحة لأضعف الخلق أجسادًا.

***

اللاعنف هو أكبر قوة في متناول الجنس البشري. إنه أقوى من أقوى سلاح تدمير اخترعه البشر. فالدمار ليس قانون البشر. والإنسان يحيا حرًّا ومستعدًا للموت حتى على يد شقيقه، إن اقتضت الحاجة، ولكنه ليس مستعدًا البتة أن يقتله هو. لأن أي قتل أو أي ضرر يرتكب بحق الآخر أو يمارس عليه، مهما كان سببه، جريمة بحق الإنسانية.

***

أقسى المعادن يلين حين يتعرَّض لما يكفي من الحرارة. ولكن أقسى القلوب يذوب حتى قبل تعرُّضه لما يكفي من حرارة اللاعنف. ولا حد لقدرة اللاعنف على توليد الحرارة.

كل فعل هو محصلة قوى عديدة، والتي يمكن أن تكون مختلفة في طبيعتها. لا ضياعَ للطاقة؛ فهذا ما علمتنا إياه كتب الميكانيك. وهذا ينطبق أيضًا على الأفعال الإنسانية، مع ذاك الفرق الذي يقول بأنه إذا كان بوسعنا بشكل عام معرفة القوى الفيزيائية الفاعلة نستطيع، حينئذٍ، التنبؤ رياضيًا بالمحصلة. إذ في حال الأفعال الإنسانية، الناجمة عن تضارب قوى لا علم لنا بها ليس بوسعنا ذلك. لكن جهلنا هذا يجب ألا يقودنا إلى فقدان الإيمان بمقدرة هذه القوى بل يجب أن يدفعنا إلى المزيد من الإيمان. واللاعنف بحكم كونه أقوى قوة في العالم، وأكثرها مراوغة في فعلها، يتطلب أكبر تدرب على الإيمان. فكما نؤمن بالله، يجب علينا الإيمان باللاعنف.


No comments:

Post a Comment